اشتدّ الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في مكة المكرّمة، والكلّ يترقّب الفَرَجَ، وبعد الصَّبر الفَرجُ والنّصرُ المؤَزّر.. وَفَدَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً من أهل يثرب ( المدينة المنوّرة) وبايعوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيعةَ العَقبة الأولى، بايعوه على أن لا يُشركوا بالله شيئًان ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصون رسول الله صلى الله عليه وسلم في معروف، فوعدَهُم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إن وفّوا بالجنّة. ثم عادوا في العام المقبل وقد صاروا ثلاثةً وسبعين رجلاً وامرأتين، ليبايعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيعةَ العقبة الثانية، فقام أحدُهم فقال:" هل تدرونَ علامَ تُبايعونَ هذا الرجل؟" قالوا:"نعم"، قال: " إنكم تُبايعونَ على حَرْب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نُهِكَت أموالُكم مصيبةً، وأشرافُكم قتلاً، أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خِزْيُ الدّنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنّكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقَتْل الأشْراف فخُذُوه، فهو والله خيرُ الدنيا والآخرة"، قالوا:" فإنّا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك- يا رسول الله- إن نحن وفّينا؟" قال: " الجنّة "، قالوا:" ابسُط يدك"، فَبَسَطَ يَدَهُ فبَايُعُوه. وأرسل معهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ رضي اللهُ عنه، أوّلَ سفيرٍ في الأمّة المحمّدية، ليعلّمهم القرآن وينشر بينهم عِلْمَ الشريعة، فما تَرَكَ دارًا في المدينة إلا ودخلها الإسلام.