كان من جملة غزواته عليه الصلاة والسلام غزوة بني النضير وهم قوم من اليهود أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من بلادهم لما أظهروا من الغدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان سبب ذلك أن عامر بن الطفيل أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب دية العامريَيْن اللذين قتلهما عمرو بن أمية وكان لهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم جوار وعهد. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم فيها، ومعه نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمرو وعلي.
وكان بين بني النضير وبين بني عامر حِلْف وعقد، فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين، قالوا: نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا هذا الرجل على مثل حاله هذه – وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم – قاعدًا – فقالوا:من رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن حجاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه الصخرة – كما قال – فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بالوحي بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه لا تبرحوا حتى ءاتيكم،وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما استلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة. فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلاً المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يَهُود قد أرادت من الغدر به. ثم دعا محمد بن مسلمة فقال: اذهب إلى يهود فقل لهم اخرجوا من بلادي فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر. فجاءهم محمد بن مسلمة، فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تظعنوا من بلاده. وأرسل لهم عبدُ الله بن أبي يقول: لا تخرجوا، فإن معي من العرب وممن انضوى إليّ من قومي ألفين، فأقيموا فهم يدخلون معكم. فأرسل جُدَيُّ بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا لا نريم دارنا فاصنع ما بدا لك! فكَبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبَّر المسلمون معه، وقال: حاربت يهود، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير لهم. ثم سار لهم بالناس حتى نزل بهم، فتحصنوا منه في الحصون، فأمر ر سول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل والتحريق فيها، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يومًا حتى بلغ منهم كلّ مبلغ، وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلبهم، ويكفّ عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من الأموال إلاّ السلام، فأجابهم إلى ذلك. فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم بهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استخلف على المدينة إذ خرج لحرب بني النضير ابنَ أم مكتوم وكانت رايته يومئذ مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وهكذا نرى مجددًا مكر اليهود وخبثهم وغدرهم فإن هذا ما اعتادوا عليه حتى صار يجري في دمائهم، ولكن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعرف دواءهم وعلاجهم ألا هو السيف يحكي في أعناقهم. فصلى الله وسلم على رسول الله الذي عرف كيف يعالج اليهود ولم يكن يداهنهم ويحابيهم بل بترهم فهم أهل الغدر والخيانة والفساد، نسأل الله أن يريحنا منهم وأن يعجل بالفرج.
القسم : غزوات الحبيب محمد - الزيارات : 2039 - التاريخ : 27/1/2012 - الكاتب : عاشق المصطفى