من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على الأربع إلى التسع
وفيما فوقَ ذلكَ قولان: أحدُهما: لا يَحِلُّ له أكثرُ من التسع، كالأربع في حقِنا، لأنه ماتَ عنهُنَّ، ولم يَصِحَّ أنهُ زادَ عليهنَّ.والثاني: أنَّهُنَّ في حقه كالسَّراري في حَقِّنا، فلَهُ الزيادةُ من غيرِ حَصْرٍ تشريفاً له وتوسيعًا عليه، لِما رزقَهُ الله من القوةِ. والقولانِ جاريانِ في انْحِصارِ طلاقهِ في الثلاثِ.
وجازَ له النكاحُ من غيرِ وَلِيٍّ ولا شهود على الصحيح، لأنَّ الوليَ يُرادُ لتحصيل الكَفاءَةِ، ولا كُفْءَ أكفأُ منه صلى الله عليه وسلم. وكذا ينعَقِدُ من غير شهود، لأنَّ المقصودَ من الشهودِ إقامةُ الحجةِ عندَ الجُحُودِ، وهو لا يَجْحَدُ، وقيل: يشترطُ لتوقع جحودِ الزوجةِ النكاحَ.
وأُبيحَ لهُ من غيرِ مَهْرٍ أيضًا، وبلفظِ الهِبَةِ لقولهِ عزَّ وجلَّ ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/50). وأُبيحَ له تَرْكُ القَسْمِ بينَ نِسائِهِ على أحدِ الوَجْهَين. وكانَ يَقْسِمُ عليهن تَبَرعًا وتكَرمًا مكافأةً على اختيارِهنَّ الله ورسولَه دُونَ زينةِ الحياة الدنيا، وقد كان وجب عليه تخييرُهُنّ لقوله عزَّ وجلَّ ﴿يٰأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزوٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيٰوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/28). ووجب إرسالُ مَنِ اختارت الحياةَ الدنيا صَوْنًا لِمَنْصِبهِ عنْ أنْ يتأذى به أحد. وإمساكُ مَنِ اختارتْهُ واختارت الله والدارَ الآخرة. لقوله عزَّ وجلَّ ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَٰجٍ﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/52). وقال الشافعي رضي الله عنه: نُسِخَتْ هذه الآيةُ بالآيةِ السابقةِ في النظم وهي قوله عز وجلَّ: ﴿يَٰأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ الَّـٰتي~ ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/50).
وهذا مِنْ عجيب النسخ، ولم يُنسَخ في القرءانِ على مثال هذا سوى قولهِ عزَّ وجلَّ ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَٰعًا إلَى الحَوْلِ﴾ [سورة البقرة] (الآية/240) نُسِخَت بقوله ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [سورة البقرة] (الآية/234) وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لم تُنسخ ءايةُ وجوبِ الإمساكِ وتحريمِ غيرِهن.
وتمسَّك الشافعيُ بالحديث أيضًا وهو قول عائشةَ رضي الله عنها: ما ماتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى أُبيحَ له أن يتزوج مَنْ أرادَ ويُطلقَ من أراد (1) والمعنى في ذلك أن تكون له المنّةُ عليهنَّ بإمساكِهنَّ مقابلةً لاختيارهِنَّ له، ولو وجَبَ عليه لما كان فيه له مِنَّةٌ، وهذا علةُ من قالَ بعدم وجوب القَسْم بَينهنَّ، ووجب (2) على مَنْ له زوجةٌ وَرغِبَ في نكاحِها أَنَّ يُطَلّقَها زوجُها لِقِصَّةِ زَيْدٍ. ___________________
(1) أخرجه الترمذي في سننه بلفظ "ما مات رسول الله حتى أحل له النساء" وحسنه، انظر كتاب "تفسير القرءان": باب ومن سورة الأحزاب (3216).
(2) نقل الزرقاني في شرح المواهب اللدنية "قال السبكي: هو منكر من القول ولم يكن صلى الله عليه وسلم تعجبه امرأة أحد من الناس ، وقصة زينب إنما جعلها الله كما في سورة الأحزاب قطعا لقول الناس: إن زيدا ابن محمد وإبطالا للتبني . قال: وبالجملة فهذا الموضوع من منكرات كلامهم في الخصائص وقد بالغوا في هذا الباب في المواضع واقتحموا فيها عظائم لقد كانوا في غنية عنها". اهـ
وَمَنْ ماتَ عنها حَرُمَتْ على غيرهِ إكرامًا له، لأن العربَ تَعْتَقِدُ ذلكَ سبةً وعارًا. وهل تَحْرُمُ مُطَلَّقَتَهُ صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ: أحدُها: تَحْرُمُ كالمتَوَفَّى عنها. والثاني لا تحرمُ لأنه زَهِدَ فيها وانتهى النكاحُ نهايتَه بخلافِ الموتِ فإنَّ أحكامَ النكاحِ باقيةٌ من وجهٍ، ولهذا يجوزُ نَظَرُ المرأةِ إلى زوجِها بعدَ الموتِ، وتُغسِّلهُ اتفاقاً وَيُغَسِلُّها الزوجُ عندَ الشافعيّ رَضِيّ الله عنه، وقالَ أبو حنيفةَ: لا يُغَسِلُها بل تُغَسِّلُه. والثالثُ: وَهُوَ الأَصَحُّ أنه إنْ بَنَى بها فلا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ وإلا حَلَّت، ودليلهُ ما نُقِلَ أن عِكْرِمَةَ بنَ أبي جَهْلٍ، وَقِيْلَ: الأشعثُ بنُ قيس تَزَوَّجَ مطلقتَه فأنكرَ عليهِ عمرُ رضي الله عنه، وأرادَ فَسْخَ نكاحهِ فقالَ: إنَّه لم يَدْخُلْ بها فَأَقَرَّ نِكاحَه.
القسم : خصائص الحبيب محمد - الزيارات : 2519 - التاريخ : 12/2/2012 - الكاتب : عاشق المصطفى